إسلام صابر يكتب.. التحول إلى الأخضر روشتة العلاج العاجلة

الاقتصاد الأخضر
الاقتصاد الأخضر

لا يخفى على أحد كم المعاناة التي تعانيها الأرض في العقود الأخيرة جراء زيادة معدلات الاحتباس الحراري، ووجود أخطار كبيرة بسبب التلوثات، تهدد الأخضر واليابس؛ فكثيرًا ما سمعنا عن حرائق الغابات بالكثير من دول العالم الأوروبية منها والأسيوية والأفريقية، وكثيرًا ما سمعنا عن وجود خطر يداهم الأرض بسبب ذوبان الجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي، فضلا عن معدلات انتشار الأمراض المفزعة، وغير ذلك من مشكلات السبب الأول ويكاد يكون الأخير فيها هو السلوك الإنساني الخاطئ مع البيئة.
ومنذ سنوات ظهر جليًا أحد المصطلحات القوية في اقتصاديات الدول وهو مصطلح “الاقتصاد الأخضر“، وبحسب تعريف هذا المصطلح نجد أنه اقتصاد يتفق مع البيئة ويصادقها، فالتركيز فيه على عدم الإضرار بالبيئة، أو إضافة أعباء جديدة عليها، لذلك انتهجت الكثير من الدول المتقدمة نظرية “الاقتصاد الأخضر” للحد من ملوثات البيئة، ولا سيما في قطاع الصناعة، وجاء في مقدمة الدول المعتمدة على استراتيجية الاقتصاد الأخضر كلا من: الدنمارك، كورويا الجنوبية، البرازيل، الإکوادور؛ وعربيًا نرى تونس والمغرب والإمارات العربية المتحدة، تسير على هذا النهج.
ويمكن القول بأن مصر لديها حوالي 9 قطاعات أساسية من السهولة بمكان تطبيق استراتيجية “التحول إلى الأخضر” عليها، ومن ثم جني أفضل الثمار من هذه القطاعات دون التفكير في مدى التأثير على البيئة، فمن أركان التحول إلى الأخضر عدم الإضرار بالبيئة، وهذه القطاعات هي: الطاقة، والنقل، والمياه، والزراعة، والصناعة، والتشييد والبناء، والمدن، والسياحة، وأخيرًا تدوير النفايات.
ونحن هنا بصدد وضع نقاط سريعة “روشتة” لـ “التحول إلى الأخضر” في أبرز القطاعات التي ذكرناها، والتي على رأسها قطاع الطاقة، فقطاع الطاقة -بلا شك- من أكثر القطاعات التي يصدر منها انبعاثات حرارية، بداية من توليد الكهرباء، أو استخراج النفط، أو الغاز الطبيعي، أو غير ذلك، نهاية إلى استخدام هذه الطاقة في المصانع والمنازل والسيارات وغير ذلك.
ولعل الطريق إلى التحول إلى الأخضر في قطاع الطاقة يحتاج في البداية إلى التركيز على توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية والتوسع في هذا المجال بصورة أكبر مما هو عليه الوضع الآن، ثم النظر في ملف الغاز الطبيعي، وتكثيف البحث عن آبار الغاز الطبيعي، فالكل يعلم مدى الطفرة التي تحققت في مصر في قطاع الطاقة باكتشاف حقل “ظهر”، حتى يوجه أغلب المصانع والشركات التي تعمل في البلاد للعمل بالغاز الطبيعي والطاقة النظيفة، كي يتثنى لهذه المصانع والشركات خفض تكلفة الطاقة، وبالتالي تنخفض أسعار المنتجات، ومن ثم نفتح المجال بصورة أكبر للوصول إلى الأسواق التصديرية العالمية.
وبالتأكيد لا تغفل الدولة هذا المحور، حيث قامت بإقامة المشروعات العملاقة في مجال الطاقة المتجددة، والطاقة الشمسية على رأسها؛ وأخيرا أعلنت الدولة عن إقامة أكبر مشروع لطاقة الرياح على مستوى الشرق الأوسط في مصر بالاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا القطاع.
ويأتي قطاع النقل في مقدمة القطاعات الأكثر إضرارًا بالبيئة، وذلك بسبب عوادم السيارات التي تزيد من تلوث الهواء، ومن خلال ذلك لا بد من التوجه إلى صناعة السيارات الكهربائية والتوسع في استخدامها، وعقد الشراكات مع شركات السيارات العالمية المتخصصة في مجال السيارات الكهربائية والسيارات صديقة البيئة الهجينة، حتى يتم على أقصى تقدير تحويل السيارات العاملة بالوقود والمحروقات في العقد القادم إلى مركبات تعتمد على الطاقة النظيفة، والأمر ليس بالصعب إذا قمنا بإنشاء المصانع المصنعة للسيارات على الأراضي المصرية باتفاقيات عالمية، كما يحدث في الوقت الحالي من الحكومة والجهات المختصة، لكن الأمر بحاجة إلى سرعة في التنفيذ.
وفي قطاع المياه والزراعة لا بد من التركيز على أن مصر بها ثروة ضخمة من المياه، فيمر بها شريان الحياة “نهر النيل”، كما أنها تطل على البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، وبها من المياه الجوفية كميات كبيرة للغاية منه المكتشف ومنها غير المكتشف حتى الآن، كل هذه المياه تجعل لمصر ميزة ليست لدى الكثير من دول العالم، وهي التوسع في القطاع الزراعي باستخدام هذه المياه، ولا سيما غير الصالحة للاستخدام الآدمي في الزراعة عبر إنشاء مصانع التحلية، ومن هنا نستفيد بالمحافظة على مياه نهر النيل وتوفيرها للاستخدام الآدمي للشرب فقط.
وحتى نتحول إلى الأخضر في مجال الزراعة لا بد من الاستفادة من الدول التي تبنت مشروعات الري الحديثة القائمة على التكنولوجيا لتوفير المياه وإنتاج أكبر كميات من المحاصيل، والتركيز على مشروعات الزراعة الرأسية، فقد أثبتت هذه المشروعات نجاحها في الكثير من دول العالم، والتي على رأسها الصين، المعروفة بالكثافة السكانية العالية؛ فكل هذا سيصب في صالح الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من مختلف المحاصيل، وبالأخص المحاصيل الاستراتيجية، حتى لا نحتاج إلى استيرادها من الخارج.
وبالنظر إلى القطاعات الأخرى مثل الصناعة، فيجب وضع نصب أعيننا أن يتم إنشاء المشروعات الجديدة باستخدام استراتيجيات المحافظة على البيئة، وجعل هذه المشروعات بأماكن بعيدة عن المدن السكانية، والعمل على نقل المصانع المتاخمة للمدن السكانية إلى الظهير الصحراوي، فكل هذا يصب في صالح البيئة، مع وجود فرصة للتوسع في إنشاء هذه المصانع، ويفضل أن تكون هذه المصانع والمدن الصناعية قريبة من المناطقة التي بها الموانئ، لتسهيل نقل البضائع والمنتجات، والدولة المصرية في هذا الوقت تعمل على تنفيذ هذه النقاط بإقامة مدن صناعية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وتركز على إمدادها بالطاقة النظيفة.
وعن قطاع التشييد والبناء، فلا بد من العمل على إقامة المباني وفق الدراسات الهندسية الحديثة التي تهتم بالتهوية الصحية، والمسافات المناسبة للحياة بصورة سليمة، والتركيز في المدن والإنشاءات الجديدة على الطاقة المتجددة، في إمداد المنازل بها، فنسبة كبيرة من الطاقة الكهربائية المستهلكة يتم استهلاكها في المنازل؛ وهناك دراسات كثيرة تشير إلى أن صناعة البناء تستخدم ما يربو على 40% من الموارد في العالم، وتشكل النفايات وانبعاث الغازات الكربونية الصادرة من الأبنية نسبة تتراوح ما بين 30 – 60% من إجمالي التلوث البيئي.
ولا يعلم الكثير منا أن هناك مصطلح يسمى “العمارة الخضراء”، وهو الذي يركز على طريقة البناء التي تعنى بجوانب الحياة البيئية جميعها، مع إعطاء أهمية لكيفية التقليل من استخدام الطاقة والمياه والموارد الأخرى وحماية صحة المستخدمين للمباني، ومن ثم خفض كمية النفايات والملوثات، وما تؤدي إليه من تدهور بيئي. فصناعة الأبنية الخضراء تعنى بالاستفادة من كافة خصائص الموقع العام للأرض في الإضاءة والتهوية واستخدام الطاقة المتجددة، وتكرير المياه وترشيدها، وتوظيف المواد الصديقة للبيئة في إنشاء أو تجهيز المنشآت لصالح صحة وأمأن وسلامة الإنسان والبيئة على حد سواء، وللعلم فإن المباني الخضراء توفر ما يقرب من 30% من الطاقة، وما بين 35 – 50% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن استخدامات المياه، وما يقارب من 90% من النفايات.
ويبدو أن هناك اتجاه في قطاع السياحة في الكثير من الدول العالمية المشهورة بالسياحة إلى التحول إلى الأخضر، ويحتاج هذا التحول إلى الأخضر في السياحة إلى النظر في مصطلح “السياحة الخضراء” المهتم بجعل المزارات السياحة وأماكن الإقامة السياحية صديقة للبيئة، وللعلم فإن هذا المصطلح لا يقتصر فقط على زيارة الأماكن الخضراء السياحية، بل يرتبط هذا المصطلح باى نشاط سياحى يعمل بطريقة صديقة للبيئة.
وحتى تحقق مصر ميزة إضافية في قطاع السياحة، لا بد من وضع مصطلح “السياحة الخضراء” في الحسبان، وذلك عبر حماية التنوع البيولوجي، وكذلك بناء الوعى البيئي واحترام الثقافة المحلية لسكان مختلف المناطق، والاهتمام أيضا بمفهوم “الفندق الأخضر” والذي يعنى الإشارة إلى أن هذا الفندق أو هذه المنشأة السياحية هى منشأة صديقة للبيئة.
وتستطيع مصر التفوق في هذا الأمر، فمصر بلد سياحية في المقام الأول، بما فيها من ثلث آثار العالم أو أكثر، وما فيها من تنوع في السياحة، فمصر يتوافر بها السياحة العلاجية والثقافية والدينية والترفيهية، لهذا لا بد من التركيز على المنشآت الخضراء للترويج للسياحة في ظل الاهتمام الكبير من العالم على معالجة الآثار البيئية السلبية على المناخ.
وأخيرًا إذا نظرنا لقطاع مثل قطاع تدوير النفايات، فمصر بحاجة ماسة في هذا الوقت إلى الاستفادة من خبرات الدول العالمية في هذا القطاع، حيث تشير الكثير من الدراسات إلى أن تطبيق مبادئ الإدارة السليمة للنفايات من الممكن أن تساهم بشكل فعال في نمو الاقتصاد الأخضر، وهذا الأمر تم إدراكه من قبل العديد من الحكومات المختلفة حول العالم، فبات هناك بهذه الدول اقتصاديات قائمة على تدوير القمامة تدر الكثير من الأموال الطائلة التي ترفع قيمة الناتج الإجمالي المحلي لهذه الدول من هذا القطاع.
وحتى نستفيد من قطاع تدوير النفايات في التحول إلى الأخضر فلا بد أن نركز على مجموعة من النقاط والعمل على تطبيقها، أولها تقليل النفايات من المصدر، وذلك بعمل حملات التوعية لربات المنازل، والمطاعم، والفنادق، وغير ذلك من مصادر النفايات الأولى، ووضع التشريعات التي تلزم هذه الجهات بذلك، ثم الاهتمام بعمل مكبات للنفايات فيها تخصيص لأنواع النفايات كل على حدة، بدلا من تواجدها بالشوارع والطرقات وتسببها في المشكلات الكثيرة، ومن هنا يجب إحداث تطوير في عمليات فرز وجمع والتخلص السليم والآمن من النفايات الصلبة عن طريق إجراء تحسينات مهمة على عملية جمع ونقل النفايات إلى الأماكن المخصصة لذلك.
وبإمعان النظر حولنا نجد أن مكبات النفايات والأماكن المخصصة لذلك بحاجة ماسة إلى توظيف أحدث النظم والتقنيات، وتطبيق أفضل الممارسات في هذا المجال من خلال مشروع إعادة تأهيل مكبات النفايات، وللعلم فإن الاهتمام بالبعد الاقتصادي للنفايات وتحويل النفايات إلى موارد أمر ضروري للغاية في الوقت الحالي، وذلك من خلال توسيع دائرة الاهتمام بمعالجة وتدوير النفايات، كماً ونوعاً.
ونناشد في ظل اهتمام الدولة بالمناخ واستضافتها قمة المناخ COP 27 التركيز على وضع صناديق في الشوارع والطرقات مخصصة بكافة أنواع النفايات كل على حدة، حتى يتم تسهيل عملية التدوير والاستفادة القصوى من النفايات، ووضع في الاعتبار أن هناك دول تقدمت اقتصاديا بسبب تدوير النفايات، واستغلال هذا الأمر كما ينبغي أن يكون استغلاله.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

أحدث الأخبار

1 من 4٬981

مراجعات

1 من 4٬981