الربط النهري بين مصر والسودان..مشروع العصر الحديث

يعتبر النقل النهرى الوسيلة الأولى فى نقل الأشخاص والبضائع بين مصر والسودان على مصر العصور، ويتم هذا النقل فى المسافة بين السد العالي بأسوان إلى وادى حلفا السوداني عن طريق بحيرة السد العالي وهذه  المسافة هي المسافة الخالية من الجنادل، وتتم الخدمة في هذه المسافة عن طريق هيئة «وادى النيل» للملاحة النهرية، وهى هيئة مصرية سودانية مشتركة قد تم تأسيسها خلال العام 1943، ويتبادل الجانبان المصرى والسودانى رئاستها، وتعمل الهيئة على تسيير رحلات يومية بين ميناء «السد العالى شرق» وميناء «الزبير» بوادى حلفا.

مميزات ومعوقات النقل النهري فى السودان

يمتاز النقل النهرى في السودان بعدة مميزات من حيث التكلفة القليلة لنقل الطن كم والقدرة الهائلة على نقل السلع والخامات الرخيصة ويمتلك السودان العديد من الإمكانيات الكبيرة للبنى التحتية النهرية من أصول ضخمة مثل الموانئ  والمراسى والورش والمواعين النهرية، لكن كل هذه الأشياء تحتاج إلى إعادة التأهيل والتطوير،  لذلك يلعب النقل النهري فى السودان دوراً ثانوياً بين وسائل النقل الداخلي، إذ يقل نصيبه عن 1% من جملة البضائع المنقولة، فهيئة النقل النهري في السودان قامت بنقل ما يقرب من 14 ألف طن من البضائع ونحو 32769 راكباً خلال العام 2014م ، وانخفضت الحمولات المنقولة إلى حوالي 7342 طن من البضائع ونحو 10782 راكباً خلال العام 2015م ، ويرجع هذا التناقص المستمر إلى افتتاح وتشغيل معبر أشكيت البري بين السودان ومصر.

وهنالك بعض المعوقات هي التي أدت إلى قلة استخدام النقل النهري في السودان والتي منها: تردي الأحوال الأمنية على الخط الرئيسي الممتد للجنوب، وانخفاض الطلب على خط كريمة – دنقلا نظرًا للتحول للنقل البري لمرونته وسرعته على الرغم من ارتفاع تكاليفه، ضعف البنى التحتية في الموانئ النهرية والمراسي وورش الصيانة، وتقادم السفن ووحدات الأسطول النهري والعزوف عن تطويرها وتحديثها الأمر الذي أدي إلى ارتفاع تكلفة التشغيل، وهذا يرجع إلى ضعف الاستثمارات الحكومية والخاصة في هذا القطاع.

وإضافة إلى ما سبق، يوجد بعض المعوقات الأخرى أمام النقل النهري في السودان كانتشار الجنادل والمنحنيات الحادة وقلة عمق المجاري المائية أو موسميتها، وجود الكثير من العوائق الملاحية مثل أعشاب النيل والمنحنيات الشديدة والرمال المتحركة وتساقط وظهورالصخور بمنطقة انحسار النيل الأبيض، الأمر الذي يعرقل حركة المواعين النهرية، والنقص الهائل في العمالة الماهرة المدربة وعزوف الكثير من الشباب عن الإنخراط في هذا النشاط لقلة الرواتب والتركيز فيه على المتقاعدين كبار السن، وأخيرًا انفصال الجنوب عن الشمال وما تسبب فيه هذا الانفصال من عدم الاستقرار في الجنوب بسبب كثرة الحروب الأهلية.

وتحتاج السودان إلى الكثير من الحلول لتطوير النقل النهري حتى يتم الربط بينها وبين مصر بصورة جيدة، ومن بين هذه الحلول تحسين المجرى الملاحي عن طريق تطوير الدراسات السابقة وتحديثها لتطويع المجرى الملاحي، تحديث الورش المتهالكة وبناء ورش جديدة على كفاءة عالية ورفع طاقة الأحواض القائمة والقزقات، تحسين الموانيء القائمة وإقامة موانيء جديدة متطورة ومواكبة لتطور النقل النهري في العصر الحالي، فتح المجرى الملاحي من حلفا القديمة حتى كوستى، تأهيل القوى العاملة.

ومن بين الحول لتطوير النقل النهري بين مصر والسودان التنسيق بين الهيئات التى تدير المجاري النهرية، حيث قامت وزارة الري السودانية (وحدة السدود) بإنشاء الكثير من السدود بدون أهوسة (Locks) مثل خزان سنار وخزان الروصيرص وخزان خشم القربة وسد مروي الذي أقامته حكومة الإنقاذ، والخوف في الوقت الحالي أن يستمر هذا النهج فتقام السدود بدون الأهوسة الأمر الذي يحد من استعمال المجاري الملاحية، وقد قامت هيئة الطرق والكباري في السودان بإنشاء العديد من الكباري مع عدم مراعاة المجاري الملاحية عند إنشائها، ولابد في الوقت الحالي من استصدار قرار للأجهزة المسؤولة عن إنشاء الخزانات بضرورة إنشاء أهوسة Locks بهذه الخزانات، فضلا عن إلزام الطرق والكباري بمراعاة الاشتراطات الملاحية اللازمة وذلك بأن لا يقل ارتفاع الكبري وعرض البواكي عن الحد الأدنى المسموح به والذي تحدده هيئة الملاحة النهرية الداخلية، علاوة على إلزام وزارات التخطيط العمراني والمرافق العامة بعدم إقامة أي منشأة على جانبي النهر إلا بعد أخذ رأي هيئة الملاحة النهرية.

وفي السياق ذاته، يجب مساهمة القطاع الخاص في قطاع النقل النهري، فهناك قطاعات نهريةكثيرة يمكن للقطاع الخاص الدخول فيها، ولابد من دعم شركة النيل للنقل النهري والشركات الصغيرة الأخرى التي تعمل في هذا المجال، فضلا عن دعم هيئة الملاحة النهرية بما يؤهلها للقيام بالدراسات والإشراف على تنفيذ المشروعات وتأهيل العاملين والتصديق والتفتيش على المواعين المستعملة والمراكب الشراعية والرفاصات الصغيرة، ومن هنا تقوم مصر بمد السودان بالخبرات اللازمة لتطوير النقل النهري في السودان ومن ثم تطوير النقل النهري بين البلدين.

وتولي القيادة السياسية المصرية أهمية كبيرة لهذا الملف، وبناء على ذلك وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاستمرار في التنسيق مع السودان لتطوير هيئة وادي النيل للملاحة النهرية، في لقاء جمع بين سيادة الرئيس ورئيس مجلس الوزراء ووزير النقل وغيرهم، واستعرض وزير النقل كامل الوزير خطط الربط النهري بين مصر والسودان عبر تحقيق الاستغلال الأمثل للخط الملاحي الرابط بين مينائي السد العالي ووادي حلفا، والذي يبلغ طوله نحو 500 كم ويصلح للملاحة النهرية على مدار العام.

وفي هذا الشأن، قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن تطوير خط الملاحة النهري بين مصر والسودان يأتي في سياق زيادة سبل التعاون بين مصر والسودان في الكثير من المجالات، مبينًا أن رمزية الربط النهري بين مصر والسودان تكمن في الشكل التكاملي الذي بدأ ينمو في العلاقة بين البلدين، ومن شأن هذا الربط تسهيل حركة النقل النهري ونقل البضائع بين البلدين الشقيقتين.

وبيّن غباشي، أن نهر النيل كان في وقت من الأوقات شريان الحياة والتجارة بين البلدين، فكان نهر النيل هو الممر الكبير لنقل البضائع بين مصر والسودان، وتعتبر رسالة الرئيس الموجهة للاستمرار في هذا المشروع رسالة قوية لكافة الأطراف الأخرى بأن شكل التكامل بين القاهرة والخرطوم بات مهما للغاية، لاسيما في ظل أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، في ظل التعنت الإثيوبي في طريق الوصول إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة يوجب الاعتراف بالحقوق التاريخية لدولتي مصر والسودان في مياه النيل، مفيدًا بأن مصر تريد أن تصير السودان سلة غذاء العالم العربي في المستقبل، لما لديها من إمكانيات زراعية كبيرة، ولما لديها من موارد بحاجة فقط إلى الاستغلال والانفاق عليها.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

أحدث الأخبار

1 من 4٬861

مراجعات

1 من 4٬861